كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



(الْوَجْهُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْبِشَارَةِ لَفْظُ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِمْ وَلَا شْكَّ أَنَّ الْأَسْبَاطَ الِاثْنَيْ عَشَرَ كَانُوا مَوْجُودِينَ فِي ذَاكَ الْوَقْتِ مَعَ مُوسَى عليه السلام حَاضِرِينَ عِنْدَهُ، فَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ كَوْنَ النَّبِيِّ الْمُبَشَّرِ بِهِ مِنْهُمْ لَقَالَ مِنْهُمْ لَا مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِهِمْ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ الْحَقِيقِيَّ لِهَذَا اللَّفْظِ أَلَّا يَكُونَ الْمُبَشَّرُ بِهِ لَهُ عَلَاقَةُ الصُّلْبِيَّةِ وَالْبَطْنِيَّةِ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، كَمَا جَاءَ لَفْظُ الْإِخْوَةِ بِهَذَا الِاسْتِعْمَالِ الْحَقِيقِيِّ فِي وَعْدِ اللهِ لِهَاجَرَ فِي حَقِّ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْبَابِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ، وَعِبَارَتُهَا فِي التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ 1844 هَكَذَا وَقِبْلَةُ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ بِنَصْبِ الْمَضَارِبِ وَفِي التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ 1811 هَكَذَا بِحَضْرَةِ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ وَجَاءَ بِهَذَا الِاسْتِعْمَالِ أَيْضًا فِي الْآيَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْبَابِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ فِي حَقِّ إِسْمَاعِيلَ فِي التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ 1844 هَكَذَا مُنْتَهَى إِخْوَتِهِ جَمِيعِهِمْ سَكَنٌ وَفِي التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَطُبُوعَةِ سَنَةَ 1811 هَكَذَا أَقَامَ بِحَضْرَةِ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ وَالْمُرَادُ بِالْإِخْوَةِ هَاهُنَا بَنُو عِيسُو وَإِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَبْنَاءِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، وَفِي الْآيَةِ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ مِنَ الْبَابِ الْعِشْرِينَ مِنْ سِفْرِ الْعَدَدِ هَكَذَا: ثُمَّ أَرْسَلَ مُوسَى رُسُلًا مِنْ قَادِسَ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ قَائِلًا: هَكَذَا يَقُولُ أَخُوكَ إِسْرَائِيلُ إِنَّكَ قَدْ عَلِمْتَ كُلَّ الْبَلَاءِ الَّذِي أَصَابَنَا وَفِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ سِفْرِ التَّثْنِيَةِ هَكَذَا 3 وَقَالَ لِيَ الرَّبُّ 4 ثُمَّ أَوْصِ الشَّعْبَ إِنَّكُمْ سَتَجُوزُونَ فِي تُخُومِ إِخْوَتِكُمْ بَنِي عِيسو الَّذِينَ فِي سَاعِيرَ وَسَيَخْشَوْنَكُمْ 5 فَلَمَّا جُزْنَا إِخْوَتَنَا بَنِي عِيسُو الَّذِينَ يَسْكُنُونَ سَاعِيرَ إِلَخْ وَالْمُرَادُ بِإِخْوَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَنُو عِيسُو، وَلَا شْكَّ أَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ إِخْوَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَعْضٍ مِنْهُمْ كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مِنَ التَّوْرَاةِ اسْتِعْمَالٌ مَجَازِيٌّ، وَلَا تُتْرَكُ الْحَقِيقَةُ وَلَا يُصَارُ إِلَى الْمَجَازِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْحَمْلِ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مَانِعٌ قَوِيٌّ، وَيُوشَعُ وَعِيسَى- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- كَانَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ فَلَا تَصْدُقْ هَذِهِ الْبِشَارَةُ عَلَيْهِمَا.
(الْوَجْهُ الرَّابِعُ) أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْبِشَارَةِ لَفْظُ سَوْفَ أُقِيمُ وَيُوشَعُ عليه السلام كَانَ حَاضِرًا عِنْدَ مُوسَى عليه السلام دَاخِلًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ نَبِيًّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، فَكَيْفَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا اللَّفْظُ!.
(الْوَجْهُ الْخَامِسُ) أَنَّهُ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْبِشَارَةِ لَفْظُ: أَجْعَلُ كَلَامِي فِي فَمِهِ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ النَّبِيَّ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، وَإِلَى أَنَّهُ يَكُونُ أُمِّيًّا حَافِظًا لِلْكَلَامِ، وَهَذَا لَا يَصْدُقُ عَلَى يُوشَعُ عليه السلام لِانْتِفَاءِ كِلَا الْأَمْرَيْنِ فِيهِ.
(الْوَجْهُ السَّادِسُ) أَنَّهُ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْبِشَارَةِ: وَمَنْ لَمْ يُطِعْ كَلَامَهُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ فَأَنَا أَكُونُ الْمُنْتَقِمَ مِنْهُ، فَهَذَا الْأَمْرُ لَمَّا ذُكِرَ لِتَعْظِيمِ هَذَا النَّبِيِّ الْمُبَشَّرِ بِهِ فَلابد أَنْ يَمْتَازَ ذَلِكَ الْمُبَشَّرُ بِهِ بِهَذَا الْأَمْرِ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالِانْتِقَامِ مِنَ الْمُنْكِرِ الْعَذَابُ الْأُخْرَوِيُّ الْكَائِنُ فِي جَهَنَّمَ، أَوِ الْمِحَنُ وَالْعُقُوبَاتُ الدُّنْيَوِيَّةُ الَّتِي تَلْحَقُ الْمُنْكِرِينَ مِنَ الْغَيْبِ؛ لِأَنَّ هَذَا الِانْتِقَامَ لَا يَخْتَصُّ بِإِنْكَارِ نَبِيٍّ دُونَ نَبِيٍّ، بَلْ يَعُمُّ الْجَمِيعَ، فَحِينَئِذٍ يُرَادُ بِالِانْتِقَامِ الِانْتِقَامُ التَّشْرِيعِيُّ، فَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ يَكُونُ مَأْمُورًا مِنْ جَانِبِ اللهِ بِالِانْتِقَامِ مِنْ مُنْكِرِهِ، فَلَا يَصْدُقُ عَلَى عِيسَى عليه السلام؛ لِأَنَّ شَرِيعَتَهُ خَالِيَةٌ عَنْ أَحْكَامِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ وَالتَّعْزِيرِ وَالْجِهَادِ.
(الْوَجْهُ السَّابِعُ) فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ كِتَابِ الْأَعْمَالِ فِي التَّرْجَمَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ سَنَةَ 1844 هَكَذَا 19 فَتُوبُوا وَارْجِعُوا كَيْ تُمْحَى خَطَايَاكُمْ 20 حَتَّى إِذَا تَأَتِي أَزْمِنَةُ الرَّاحَةِ مِنْ قُدَّامِ وَجْهِ الرَّبِّ وَيُرْسِلُ الْمُنَادَى بِهِ لَكُمْ وَهُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ 21 الَّذِي إِيَّاهُ يَنْبَغِي لِلسَّمَاءِ أَنْ تَقْبَلَهُ السَّمَاءُ إِلَى الزَّمَانِ الَّذِي يَسْتَرِدُّ فِيهِ كُلَّ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ اللهُ عَلَى أَفْوَاهِ أَنْبِيَائِهِ الْقِدِّيسِينَ مُنْذُ الدَّهْرِ 22 إِنَّ مُوسَى قَالَ: إِنَّ الرَّبَّ إِلَهَكُمْ يُقِيمُ لَكُمْ نَبِيًّا مِنْ إِخْوَتِكُمْ مِثْلِي لَهُ تَسْمَعُونَ فِي كُلِّ مَا يُكَلِّمُكُمْ بِهِ 23 وَيَكُونُ كُلُّ نَفْسٍ لَا تَسْمَعُ ذَلِكَ النَّبِيَّ تَهْلَكُ مِنَ الشَّعْبِ وَفِي التَّرْجَمَةِ الْفَارِسِيَّةِ حَذَفْنَا النَّصَّ الْفَارِسِيَّ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِمَا يَذْكُرُهُ مِنْ مَضْمُونِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ:
فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ سِيَّمَا بِحَسَبِ التَّرَاجِمِ الْفَارِسِيَّةِ تَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ غَيْرَ الْمَسِيحِ عليه السلام، وَأَنَّ الْمَسِيحَ لابد أَنْ تَقْبَلَهُ السَّمَاءُ إِلَى زَمَانِ ظُهُورِ هَذَا النَّبِيِّ، وَمَنْ تَرَكَ التَّعَصُّبَ الْبَاطِلَ مِنَ الْمَسِيحِيِّينَ- وَتَأَمَّلَ فِي عِبَارَةِ بُطْرُسَ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَنْ بُطْرُسَ يَكْفِي لِإِبْطَالِ ادِّعَاءِ عُلَمَاءِ بُرُوتُسْتَنْتْ أَنَّ هَذِهِ الْبِشَارَةَ فِي حَقِّ عِيسَى عليه السلام.
وَهَذِهِ الْوُجُوهُ السَّبْعَةُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا تَصْدُقُ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَكْمَلَ صِدْقٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْمَسِيحِ عليه السلام، وَيُمَاثِلُ مُوسَى عليه السلام فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ:
(1) كَوْنُهُ عَبْدَ اللهِ وَرَسُولَهُ. (2) كَوْنُهُ ذَا وَالِدَيْنِ (3) كَوْنُهُ ذَا نِكَاحٍ وَأَوْلَادٍ (4) كَوْنُ شَرِيعَتِهِ مُشْتَمِلَةً عَلَى السِّيَاسَاتِ الْمَدَنِيَّةِ. (5) كَوْنُهُ مَأْمُورًا بِالْجِهَادِ (6) اشْتِرَاطُ الطَّهَارَةِ وَقْتَ الْعِبَادَةِ فِي شَرِيعَتِهِ. (7) وُجُوبُ الْغُسْلِ لِلْجُنُبِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ فِي شَرِيعَتِهِ (8) اشْتِرَاطُ طَهَارَةِ الثَّوْبِ مِنْ الْبَوْلِ وَالْبُرَازِ فِيهَا. (9) حُرْمَةُ غَيْرِ الْمَذْبُوحِ وَقَرَابِينِ الْأَوْثَانِ فِيهَا. (10) وَكَوْنُ شَرِيعَتِهِ مُشْتَمِلَةً عَلَى الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالرِّيَاضَاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ. (11) أَمْرُهُ بِحَدِّ الزِّنَا. (12) تَعْيِينُ الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ وَالْقِصَاصِ (13) كَوْنُهُ قَادِرًا عَلَى تَنْفِيذِهَا. (14) تَحْرِيمُ الزِّنَا. (15) أَمْرُهُ بِإِنْكَارِ مَنْ يَدْعُو إِلَى غَيْرِ اللهِ (16) أَمْرُهُ بِالتَّوْحِيدِ الْخَالِصِ (17) أَمْرُهُ الْأُمَّةَ بِأَنْ يَقُولُوا لَهُ عَبْدَ اللهِ وَرَسُولَهُ، لَا ابْنَ اللهِ أَوِ اللهَ، وَالْعِيَاذُ بِاللهِ (18) مَوْتُهُ عَلَى الْفِرَاشِ. (19) كَوْنُهُ مَدْفُونًا كَمُوسَى (20) عَدَمُ كَوْنِهِ مَلْعُونًا لِأَجْلِ أُمَّتِهِ.
وَهَكَذَا أُمُورٌ أُخَرُ تَظْهَرُ إِذَا تُؤَمِّلَ فِي شَرِيعَتِهِمَا؛ وَلِذَلِكَ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي كَلَامِهِ الْمَجِيدِ: {إِنَّا أَرْسَلَنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا} (73: 15) وَكَانَ مِنْ إِخْوَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكَانَ أُمِّيًّا جَعَلَ كَلَامَ اللهِ فِي فَمِهِ، وَكَانَ يَنْطِقُ بِالْوَحْيِ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (53: 3، 4) وَكَانَ مَأْمُورًا بِالْجِهَادِ، وَقَدِ انْتَقَمَ اللهُ لِأَجْلِهِ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَالْأَكَاسِرَةِ وَالْقَيَاصِرَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَظَهَرَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَسِيحِ مِنَ السَّمَاءِ، وَكَانَ لِلسَّمَاءِ أَنْ تَقْبَلَ الْمَسِيحَ عليه السلام إِلَى ظُهُورِهِ لِيَرُدَّ كُلَّ شَيْءٍ إِلَى أَصْلِهِ، وَيَمْحَقَ الشِّرْكَ وَالتَّثْلِيثَ وَعِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَلَا يَرْتَابُ أَحَدٌ مِنْ كَثْرَةِ أَهْلِ التَّثْلِيثِ فِي هَذَا الزَّمَانِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ هَذَا الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ قَدْ أَخْبَرَنَا عَلَى أَتَمِّ تَفْصِيلٍ وَأَكْمَلِ وَجْهٍ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى رَيْبٌ مَا بِكَثْرَتِهِمْ وَقْتَ قُرْبِ ظُهُورِ الْمَهْدِيِّ رضي الله عنه وَهَذَا الْوَقْتُ قَرِيبٌ إِنْ شَاءَ اللهُ، وَسَيَظْهَرُ الْإِمَامُ وَيَظْهَرُ الْحَقُّ عَنْ قَرِيبٍ، وَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ، جَعَلْنَا اللهُ مِنْ أَنْصَارِهِ وَخُدَّامِهِ آمِينَ.
(الْوَجْهُ الثَّامِنُ) أَنَّهُ صَرَّحَ فِي هَذِهِ الْبِشَارَةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَى اللهِ مَا لَمْ يَأْمُرْهُ يُقْتَلُ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا حَقًّا لَكَانَ قُتِلَ، وَقَدْ قَالَ اللهُ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ أَيْضًا: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} (69: 44- 46) وَمَا قُتِلَ، بَلْ قَالَ اللهُ فِي حَقِّهِ: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} (5: 67) وَأَوْفَى وَعْدَهُ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَتْلِهِ أَحَدٌ حَتَّى لَقِيَ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى صلى الله عليه وسلم وَعِيسَى عليه السلام قُتِلَ وَصُلِبَ عَلَى زَعْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْبِشَارَةُ فِي حَقِّهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا كَاذِبًا كَمَا يَزْعُمُهُ الْيَهُودُ، وَالْعِيَاذُ بِاللهِ.
(الْوَجْهُ التَّاسِعُ) أَنَّ اللهَ بَيَّنَ عَلَامَةَ النَّبِيِّ الْكَاذِبِ وَهِيَ أَنَّ أَخْبَارَهُ عَنِ الْغَيْبِ الْمُسْتَقْبَلِ لَا تَخْرُجُ صَادِقَةً، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ عَنِ الْأُمُورِ الْكَثِيرَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ كَمَا عَلِمْتَ فِي الْمَسْلَكِ الْأَوَّلِ، وَظَهَرَ صِدْقَهُ فِيهَا فَيَكُونُ نَبِيًّا صَادِقًا لَا كَاذِبًا.
(الْوَجْهُ الْعَاشِرُ) أَنَّ عُلَمَاءَ الْيَهُودِ سَلَّمُوا كَوْنَهُ مُبَشَّرًا بِهِ فِي التَّوْرَاةِ لَكِنَّ بَعْضَهُمْ أَسْلَمَ، وَبَعْضُهُمْ بَقِيَ فِي الْكُفْرِ- كَمَا أَنَّ قيافا وَكَانَ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ وَنَبِيًّا عَلَى زَعْمِ يُوحَنَّا عَرَفَ أَنَّ عِيسَى هُوَ الْمَسِيحُ الْمَوْعُودُ بِهِ، وَلَمْ يُؤْمِنْ بَلْ أَفْتَى بِكُفْرِهِ وَقَتْلِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ يُوحَنَّا فِي الْبَابِ الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ إِنْجِيلِهِ- كَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مُخَيْرِيقٍ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِصِفَتِهِ وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ إِلْفَةُ دِينِهِ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَكَانَ يَوْمَ السَّبْتِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ وَاللهِ إِنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ نَصْرَ مُحَمَّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقٌّ. قَالُوا: فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ السَّبْتِ؟ قَالَ: لَا سَبْتَ ثُمَّ أَخَذَ سِلَاحَهُ وَخَرَجَ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِأُحُدٍ، وَكَانَ يَوْمَ السَّبْتِ، وَعَهِدَ إِلَى مَنْ وَرَائَهُ مِنْ قَوْمِهِ: إِنْ قُتِلْتُ هَذَا الْيَوْمَ فَمَالِي لِمُحَمَّدٍ يَصْنَعُ فِيهِ مَا أَرَاهُ اللهُ تَعَالَى، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مُخَيْرِيقٍ خَيْرُ يَهُودَ وَقَبَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمْوَالَهُ، فَعَامَّةُ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ الْمَدَارِسِ فَقَالَ: أَخْرِجُوا إِلَيَّ أَعْلَمَكُمْ، فَقَالُوا: عَبْدُ اللهِ بْنُ صُورِيَا فَخَلَا بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَنَاشَدَهُ بِدِينِهِ وَبِمَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَأَطْعَمَهُمْ مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى وَظَلَّلَهُمْ مِنَ الْغَمَامِ: أَتَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ؟ قَالَ: اللهُمَّ نَعَمْ، وَأَنَّ الْيَهُودَ يَعْرِفُونَ مَا أَعْرِفُ، وَأَنَّ صِفَتَكَ وَنَعْتَكَ لَمُبَيَّنٌ فِي التَّوْرَاةِ وَلَكِنْ حَسَدُوكَ. قَالَ: «فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْتَ»؟ قَالَ: أَكْرَهُ خِلَافَ قَوْمِي، عَسَى أَنْ يَتَّبِعُوكَ وَيُسْلِمُوا فَأُسْلِمُ- وَعَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ- رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- «لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَنَزَلَ قُبَاءَ غَدَا عَلَيْهِ أَبِي حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَعَمِّي أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ مُغَلِّسَيْنِ فَلَمْ يَرْجِعَا حَتَّى كَانَ غُرُوبُ الشَّمْسِ، فَأَتَيَا كَالَّيْنِ كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الْهَوِينَا فَهَشَشْتُ إِلَيْهِمَا فَمَا الْتَفَتَ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُمَا مَعَ مَا بِهِمَا مِنَ الْهَمِّ، فَسَمِعْتُ عَمِّي أَبَا يَاسِرٍ يَقُولُ لِأَبِي: أَهْوَ هُوَ؟-أَيِ: الْمُبَشَّرِ بِهِ فِي التَّوْرَاةِ- قَالَ: نَعَمْ وَاللهِ، قَالَ: أَتُثْبِتُهُ وَتَعْرِفُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا فِي نَفْسِكَ مِنْهُ؟ قَالَ: عَدَاوَتُهُ وَاللهِ مَا بَقِيتُ أَبَدًا»- فَتِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٍ.
(فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ أُخُوَّةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَنْحَصِرُ فِي بَنِي إِسْمَاعِيلَ لِأَنَّ بَنِي عِيسُو وَبَنِي أَبْنَاءِ قَطُورَا زَوْجَةِ إِبْرَاهِيمَ- عَلَيْهِمَا السَّلَامُ- مِنْ إِخْوَتِهِمْ أَيْضًا قلت: نَعَمْ هَؤُلَاءِ أَيْضًا مِنْ إِخْوَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَظْهَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ يَكُونُ مَوْصُوفًا بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَمْ يَكُنْ وَعْدُ اللهِ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا بِخِلَافِ بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّهُمْ كَانَ وَعْدُ اللهِ فِي حَقِّهِمْ لِإِبْرَاهِيمَ وَلِهَاجَرَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِصْدَاقُ هَذَا الْخَبَرِ بَنِي عِيسُو عَلَى مَا هُوَ مُقْتَضَى دُعَاءِ إِسْحَاقَ عليه السلام، الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْبَابِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ.
وَلِعُلَمَاءِ بُرُوتُسْتَنْتْ اعْتِرَاضَانِ نَقَلَهُمَا صَاحِبُ الْمِيزَانِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِحَلِّ الْإِشْكَالِ فِي جَوَابِ الِاسْتِفْسَارِ.
(الْأَوَّلُ) أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْآيَةِ 15 مِنَ الْبَابِ 18 مِنْ سِفْرِ الِاسْتِثْنَاءِ التَّثْنِيَةِ هَكَذَا فَإِنَّ الرَّبَّ إِلَهَكَ يُقِيمُ مِنْ بَيْنِكَ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِكَ إِلَخْ. فَلَفْظُ مِنْ بَيْنِكَ يَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ يَكُونُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ.
(وَالثَّانِي) أَنَّ عِيسَى عليه السلام نَسَبَ هَذِهِ الْبِشَارَةَ إِلَى نَفْسِهِ فَقَالَ فِي الْآيَةِ 46 مِنَ الْبَابِ الْخَامِسِ مِنْ إِنْجِيلِ يُوحَنَّا أَنَّ مُوسَى كَتَبَ فِي حَقِّي.
أَقُولُ: آيَةُ التَّثْنِيَةِ عَلَى وَفْقِ التَّرَاجِمِ الْفَارِسِيَّةِ وَتَرَاجِمِ أُرْدُو هَكَذَا فَإِنَّ الرَّبَّ إِلَهَكَ يُقِيمُ مِنْ بَيْنِكَ مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِكَ نَبِيًّا مِثْلِي فَاسْمَعْ مِنْهُ وَالْقِسِّيسُ أَيْضًا نَقَلَهَا هَكَذَا. وَالْجَوَابُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ لَا يُنَافِي مَقْصُودَنَا؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا عليه السلام لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبِهَا تَكَامَلَ أَمْرُهُ قَدْ كَانَ حَوْلَهُ بِلَادُ الْيَهُودِ كَخَيْبَرَ وَبَنِي قَيْنُقَاعَ وَالنَّضِيرِ وَغَيْرِهِمْ فَقَدْ قَامَ مِنْ بَيْنِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مِنْ إِخْوَتِهِمْ فَقَدْ قَامَ مِنْ بَيْنِهِمْ؛ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ: مِنْ بَيْنِ إِخْوَتِكَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ بَيْنِكَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ عَلَى رَأْيِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمُتَّبِعِيهِ الْقَائِلِينَ بِكِفَايَةِ عَلَاقَةِ الْمُلَابَسَةِ غَيْرِ الْكُلِّيَّةِ وَالْجُزْئِيَّةِ فِي تَحَقُّقِ هَذَا الْبَدَلِ، نَحْوَ جَاءَنِي زَيْدٌ أَخُوهُ، وَجَاءَنِي زَيْدٌ غُلَامُهُ، وَبَدْلُ إِضْرَابٍ عَلَى رَأْيِ ابْنِ مَالِكٍ، وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ عَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَيَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ أَنَّ مُوسَى عليه السلام لَمَّا أَعَادَ هَذَا الْوَعْدَ مِنْ كَلَامِ اللهِ فِي الْآيَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ لَفْظُ مِنْ بَيْنِكَ، وَنَقَلَ بُطْرُسُ الْحَوَارِيُّ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلَ، وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ هَذَا اللَّفْظُ كَمَا عَلِمْتَ فِي الْوَجْهِ السَّابِعِ، وَكَذَا نَقَلَهُ استفانوس أَيْضًا وَلَمْ يُوجَدْ فِي نَقْلِهِ أَيْضًا هَذَا اللَّفْظُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَابِ السَّابِعِ مِنْ كِتَابِ الْأَعْمَالِ وَعِبَارَتِهِ هَكَذَا: هَذَا هُوَ مُوسَى الَّذِي قَالَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ نَبِيًّا مِثْلِي سَيُقِيمُ لَكُمُ الرَّبُّ إِلَهُكُمْ مِنْ إِخْوَتِكُمْ لَهُ تَسْمَعُونَ فَسُقُوطُهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ فَاحْتِمَالُ الْبَدَلِ قَوِيٌّ جِدًّا.
وَقَالَ صَاحِبُ الِاسْتِفْسَارِ: إِنَّ لَفْظَ مِنْ بَيْنِكَ إِلْحَاقِيٌّ زِيدَ تَحْرِيفًا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ:
(الْأَوَّلُ) أَنَّ الْمُخَاطِبِينَ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ كَانُوا بَنِي إِسْرَائِيلَ كُلَّهُمْ لَا الْبَعْضَ، فَقَوْلُهُ: مِنْ بَيْنِكَ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْقَوْمِ، فَصَارَ لَفْظٌ مِنْ إِخْوَتِكَ لَغْوًا مَحْضًا لَا مَعْنَى لَهُ، لَكِنَّ لَفْظَ مِنْ إِخْوَتِكَ جَاءَ فِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ أَيْضًا، فَيَكُونُ صَحِيحًا، وَلَفْظُ مِنْ بَيْنِكَ إِلْحَاقِيًّا زِيدَ تَحْرِيفًا.